فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



المسألة الثالثة:
هذه الآية دالة على نفي المثل وقوله تعالى: {وَلَهُ المثل الأعلى} [الروم: 27] يقتضي إثبات المثل فلا بد من الفرق بينهما، فنقول المثل هو الذي يكون مساويًا للشيء في تمام الماهية والمثل هو الذي يكون مساويًا له في بعض الصفات الخارجة عن الماهية وإن كان مخالفًا في تمام الماهية.
المسألة الرابعة:
قوله: {وَهُوَ السميع البصير} يدل على كونه تعالى سامعًا للمسموعات مبصرًا للمرئيات، فإن قيل يمتنع إجراء هذا اللفظ على ظاهره وذلك لأنه إذا حصل قرع أو قلع انقلب الهواء من بين ذينك الجسمين انقلابًا يعنف فيتموج الهواء بسبب ذلك ويتأدى ذلك التموج إلى سطح الصماخ فهذا هو السماع، وأما الإبصار فهو عبارة عن تأثر الحدقة بصورة المرئي، فثبت أن السمع والبصر عبارة عن تأثر الحاسة، وذلك على الله محال، فثبت أن إطلاق السمع والبصر على علمه تعالى بالمسموعات والمبصرات غير جائز والجواب: الدليل على أن السماع مغاير لتأثر الحاسة أنا إذا سمعنا الصوت علمنا أنه من أي الجوانب جاء فعلمنا أنا أدركنا الصوت حيث وجد ذلك الصوت في نفسه، وهذا يدل على أن إدراك الصوت حالة مغايرة لتأثير الصماخ عن تموج ذلك الهواء.
وأما الرؤية فالدليل على أنها حالة مغايرة لتأثر الحدقة، فذلك لأن نقطة الناظر جسم صغير فيستحيل انطباع الصورة العظيمة فيه، فنقول الصورة المنطبعة صغيرة والصورة المرئية في نفس العالم عظيمة، وهذا يدل على أن الرؤية حالة مغايرة لنفس ذلك الانطباع، وإذا ثبت هذا فنقول لا يلزم من امتناع التأثر في حق الله امتناع السمع والبصر في حقه، فإن قالوا هب أن السمع والبصر حالتان مغايرتان لتأثر الحاسة إلا أن حصولهما مشروط بحصول ذلك التأثر، فلما كان حصول ذلك التأثر في حق الله تعالى ممتنعًا كان حصول السمع والبصر في حق الله ممتنعًا، فنقول ظاهر قوله: {وَهُوَ السميع البصير} يدل على كونه سميعًا بصيرًا فلم يجز لنا أن نعدل عن هذا الظاهر إلا إذا قام الدليل على أن الحاسة المسماة بالسمع والبصر مشروطة بحصول التأثر، والتأثر في حق الله تعالى ممتنع، فكان حصول الحاسة المسماة بالسمع والبصر ممتنعًا، وأنتم المدعون لهذا الاشتراط فعليكم الدلالة على حصوله، وإنما نحن متمسكون بظاهر اللفظ إلى أن تذكروا ما يوجب العدول عنه، فإن قال قائل قوله: {وَهُوَ السميع البصير} يفيد الحصر، فما معنى هذا الحصر، مع أن العباد أيضًا موصوفون بكونهم سميعين بصيرين؟ فنقول السميع والبصير لفظان مشعران بحصول هاتين الصفتين على سبيل الكمال، والكمال في كل الصفات ليس إلا لله، فهذا هو المراد من هذا الحصر.
أما قوله تعالى: {لَّهُ مَقاليدُ السماوات والأرض} فاعلم أن المراد من الآية أنه تعالى: فاطر السماوات والأرض والأصنام ليست كذلك، وأيضًا فهو خالق أنفسنا وأزواجنا وخالق أولادنا منا ومن أزواجنا، والأصنام ليست كذلك، وأيضًا فله مقاليد السماوات والأرض والأصنام ليست كذلك، والمقصود من الكل بيان القادر المنعم الكريم الرحيم، فكيف يجوز جعل الأصنام التي هي جمادات مساوية له في المعبودية؟ فقوله: {لَّهُ مَقاليدُ السماوات والأرض} يريد مفاتيح الرزق من السماوات والأرض، فمقاليد السماوات الأمطار، ومقاليد الأرض النبات، وذكرنا تفسير المقاليد في سورة الزمر عند قوله: {يَبْسُطُ الرزق لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ} [الزمر: 52] لأن مفاتيح الأرزاق بيده {إِنَّهُ بِكُلّ شيْء} من البسط والتقدير {عَلِيمٌ}.
{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا}.
اعلم أنه تعالى لما عظم وحيه إلى محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: {كَذَلِكَ يُوحِى إِلَيْكَ وَإِلَى الذين مِن قَبْلِكَ الله العزيز الحكيم} [الشورى: 3] ذكر في هذه الآية تفصيل ذلك فقال: {شَرَعَ لَكُم مّنَ الدين مَا وصى بِهِ نُوحًا} والمعنى شرع الله لكم يا أصحاب محمد من الدين ما وصى به نوحًا ومحمدًا وإبراهيم وموسى وعيسى، هذا هو المقصود من لفظ الآية، وإنما خص هؤلاء الأنبياء الخمسة بالذكر لأنهم أكابر الأنبياء وأصحاب الشرائع العظيمة والأتباع الكثيرة، إلا أنه بقي في لفظ الآية إشكالات أحدها: أنه قال في أول الآية {مَا وصى بِهِ نُوحًا} وفي آخرها {وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ} وفي الوسط {والذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} فما الفائدة في هذا التفاوت؟ وثانيها: أنه ذكر نوحًا عليه السلام على سبيل الغيبة فقال: {مَا وصى بِهِ نُوحًا} والقسمين الباقيين على سبيل التكلم فقال: {والذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ} وثالثها: أنه يصير تقدير الآية: شرع الله لكم من الدين الذي أوحينا إليك فقوله: {شَرَعَ لَكُم} خطاب الغيبة وقوله: {والذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} خطاب الحضور، فهذا يقتضي الجمع بين خطاب الغيبة وخطاب الحضور في الكلام الواحد بالاعتبار الواحد، وهو مشكل، فهذه المضايق يجب البحث عنها والقوم ما داروا حولها، وبالجملة فالمقصود من الآية أنه يقال شرع لكم من الدين دينًا تطابقت الأنبياء على صحته، وأقول يجب أن يكون المراد من هذا الدين شيئًا مغايرًا للتكاليف والأحكام، وذلك لأنها مختلفة متفاوتة قال تعالى: {لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً ومنهاجا} [المائدة: 48] فيجب أن يكون المراد منه الأمور التي لا تختلف باختلاف الشرائع، وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والإيمان يوجب الإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة والسعي في مكارم الأخلاق والاحتراز عن رذائل الأحوال، ويجوز عندي أن يكون المراد من قوله: {وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ} أي لا تتفرقوا بالآلهة الكثيرة، كما قال يوسف عليه السلام: {أأربابٌ مُّتَّفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ الله الواحد القهار} [يوسف: 39] وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِى إليه أَنَّهُ لا إله إِلاَّ أَنَاْ فاعبدون} [الأنبياء: 25] واحتج بعضهم بقوله: {شَرَعَ لَكُم مّنَ الدين مَا وصى بِهِ نُوحًا} على أن النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر كان مبعوثًا بشريعة نوح عليه السلام، والجواب ما ذكرناه أنه عطف عليه سائر الأنبياء وذلك يدل على أن المراد هو الأخذ بالشريعة المتفق عليها بين الكل، ومحل {أَنْ أَقيمُوا الدين} إما نصب بدل من مفعول {شَرَعَ} والمعطوفين عليه، وإما رفع على الاستئناف كأنه قيل ما ذاك المشروع؟ فقيل هو إقامة الدين {كَبُرَ عَلَى المشركين} عظم عليهم وشق عليهم {مَا تَدْعُوهُمْ إليه} من إقامة دين الله تعالى على سبيل الاتفاق والإجماع، بدليل أن الكفار قالوا: {أَجَعَلَ الآلهة إلها واحدا إِنَّ هذا لَشَيْء عُجَابٌ} [ص: 5] وههنا مسائل:
المسألة الأولى:
احتج نفاة القياس بهذه الآية قالوا إنه تعالى أخبر أن أكابر الأنبياء أطبقوا على أنه يجب إقامة الدين بحيث لا يفضي إلى الاختلاف والتنازع، والله تعالى ذكر في معرض المنّة على عباده أنه أرشدهم إلى الدين الخالي عن التفرق والمخالفة ومعلوم أن فتح باب القياس يفضي إلى أعظم أنواع التفرق والمنازعة، فإن الحس شاهد بأن هؤلاء الذين بنوا دينهم على الأخذ بالقياس تفرقوا تفرقًا لا رجاء في حصول الاتفاق بينهم إلى آخر القيامة، فوجب أن يكون ذلك محرمًا ممنوعًا عنه.
المسألة الثانية:
هذه الآية تدل على أن هذه الشرائع قسمين منها ما يمتنع دخول النسخ والتغيير فيه، بل يكون واجب البقاء في جميع الشرائع والأديان، كالقول بحسن الصدق والعدل والإحسان، والقول بقبح الكذب والظلم والإيذاء، ومنها ما يختلف باختلاف الشرائع والأديان، ودلت هذه الآية على أن سعي الشرع في تقرير النوع الأول أقوى من سعيه في تقرير النوع الثاني، لأن المواظبة على القسم الأول مهمة في اكتساب الأحوال المفيدة لحصول السعادة في الدار الآخرة.
المسألة الثالثة:
قوله تعالى: {أَنْ أَقِيمُواْ الدين وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ} مشعر بأن حصول الموافقة أمر مطلوب في الشرع والعقل، وبيان منفعته من وجوه الأول: أن للنفوس تأثيرات، وإذا تطابقت النفوس وتوافقت على واحد قوي التأثير الثاني: أنها إذا توافقت صار كل واحد منها معينًا للآخر في ذلك المقصود المعين، وكثرة الأعوان توجب حصول المقصود، أما إذا تخالفت تنازعت وتجادلت فضعفت فلا يحصل المقصود الثالث: أن حصول التنازع ضد مصلحة العالم لأن ذلك يفضي إلى الهرج والمرج والقتل والنهب، فلهذا السبب أمر الله تعالى في هذه الآية بإقامة الدين على وجه لا يفضي إلى التفرق وقال في آية أخرى {وَلاَ تنازعوا فَتَفْشَلُواْ} [الأنفال: 46].
ثم قال تعالى: {الله يَجْتَبِي إليه مَن يَشَاء وَيَهْدِي إليه مَن يُنِيبُ} وفيه وجهان الأول: أنه تعالى لما أرشد أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى التمسك بالدين المتفق عليه بيّن أنه تعالى إنما أرشدهم إلى هذا الخير، لأنه اجتباهم واصطفاهم وخصهم بمزيد الرحمة والكرامة الثاني: أنه إنما كبّر عليهم هذا الدعاء من الرسل لما فيه من الانقياد لهم تكبرًا وأنفة فبيّن تعالى أنه يخص من يشاء بالرسالة ويلزم الانقياد لهم، ولا يعتبر الحسب والنسب والغنى، بل الكل سواء في أنه يلزمهم اتباع الرسل الذين اجتباهم الله تعالى، واشتقاق لفظ الاجتباء يدل على الضم والجمع، فمنه جبى الخراج واجتباه وجبى الماء في الحوض فقوله: {الله يَجْتَبِي إليه} أي يضمه إليه ويقربه منه تقريب الإكرام والرحمة، وقوله: {مَن يَشَاء} كقوله تعالى: {يُعَذّبُ مَن يَشَاء وَيَرْحَمُ مَن يَشَاء} [العنكبوت: 21].
ثم قال: {وَيَهْدِي إليه مَن يُنِيبُ} وهو كما روي في الخبر «من تقرب مني شبرًا تقربت منه ذراعًا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة» أي من أقبل إليّ بطاعته أقبلت إليه بهدايتي وإرشادي بأن أشرح له صدره وأسهل أمره. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْء فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}.
المعنى: قل لهم يا محمد: {وما اختلفتم فيه} أيها الناس من تكذيب وتصديق وإيمان وكفر وغير ذلك، فالحكم فيه والمجازاة عليه ليست إلي ولا بيدي، وإنما ذلك {إلى الله} الذي صفاته ما ذكر من إحياء الموتى والقدرة على كل شيء، ثم قال: ذلكم الله ربي وعليه توكلي وإليه إنابتي ورجوعي، وهو {فاطر السماوات والأرض}، أي مخترعها وخالقها شق بعضها من بعض.
وقوله تعالى: {جعل لكم من أنفسكم أزواجًا} يريد: زوج الإنسان الأنثى، وبهذه النعمة اتفق الذرء، وليست الأزواج هاهنا الأنواع، وأما الأزواج المذكورة مع الأنعام، فالظاهر أيضًا والمتسق: أنه يريد: إناث الذكران، ويحتمل أن يريد الأنواع، والأول أظهر.
وقوله: {يذرؤكم} أي يخلقكم نسلًا بعد نسل وقرنًا بعد قرن، قاله مجاهد والناس، فلفظة ذرأ: تزيد على لفظة: خلق معنى آخر ليس في خلق، وهو توالي الطبقات على مر الزمان.
وقوله: {فيه} الضمير عائد على الجعل الذي يتضمنه قوله: {جعل لكم}، وهذا كما تقول: كلمت زيدًا كلامًا أكرمته فيه. وقال القتبي: الضمير للتزويج، ولفظة: (في) مشتركة على معان، وإن كان أصلها الوعاء وإليه يردها النظر في كل وجه.
وقوله تعالى: {ليس كمثله شيء} الكاف مؤكدة للتشبيه، فبقي التشبيه أوكد ما يكون، وذلك أنك تقول: زيد كعمرو، وزيد مثل عمرو، فأذا أردت المبالغة التامة قلت: زيد كمثل عمرو، ومن هذا قول أوس بن حجر: المتقارب:
وقتلى كمثل جذوع النخيـ ** ـل يغشاهمُ سيل منهمر

ومنه قول الآخر: البسيط:
سعد بن زيد إذا أبصرت فضلهمُ ** ما إن كمثلهم في الناس من أحد

فجرت الآية في هذا الموضع على عرف كلام العرب، وتفترق الآية مع هذه الشواهد متى أردت أن تتبع بذهنك هذا اللفظ فتقدر للجزوع مثلًا موجودًا وتشبه القتل بذلك المثل أمكنك أو لا يمكنك هذا في جهة الله تعالى إلا أن تجعل المثل ما يتحصل في الذهن من العلم بالله تعالى، إذ المثل والمثال واحد، وذهب الطبري وغيره إلى أن المعنى: ليس كهو شيء. وقالوا لفظة مثل في الآية توكيد أو واقعة موقع هو.
قال القاضي أبو محمد: ومما يؤيد دخول الكاف تأكيدًا أنها قد تدخل على الكاف نفسها، وأنشد سيبويه:
وصاليات ككما يؤثفين

والمقاليد: المفاتيح، قاله ابن عباس والحسن، وقال مجاهد: أصلها بالفارسية، وهي هاهنا استعارة لوقع كل أمر تحت قدرته. وقال السدي: المقاليد: الخزائن، وفي العبارة على هذا حذف مضاف، قال قتادة: من ملك مقالد خزائن، فالخزائن في ملكه، وبسط الرزق وقدره بيّن، وقد مضى تفسيره.
{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}.
المعنى: {شرع لكم} وبين من المعتقدات والتوحيد {ما وصى به نوحًا} قبل.
وقوله: {والذي} عطف على {ما}، وكذلك ما ذكر بعد من إقامة الدين مشروع اتفقت النبوات فيه، وذلك في المعتقدات أو في جملة أمرها من أن كل نبوة فإنما مضمنها معتقدات وأحكام، فيجيء المعنى على هذا: شرع لكم شرعة هي كشرعة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام في أنها ذات المعتقدات المشهورة التي هي في كل نبوءة وذات أحكام كما كانت تلك كلها، وعلى هذا يتخرج ما حكاه الطبري عن قتادة قال: {ما وصى به نوحًا} يريد الحلال والحرام، وعليه روي أن نوحًا أول من أتى بتحريم البنات والأمهات. وأما الأحكام بانفرادها فهي في الشرائع مختلفة، وهي المراد في قوله تعالى: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا} [المائدة: 48].
و {أن} في قوله: {أن أقيموا} يجوز أن تكون في موضع نصب بدلًا من {ما}، ويجوز في موضع خفض بدلًا من الضمير في {به}، وفي موضع رفع على خبر ابتداء تقديره: ذلك أن، و{أن} تكون مفسرة بمعنى: أي، لا موضع لها من الإعراب، وإقامة الدين هو توحيد الله تعالى ورفض سواه.
وقوله: {ولا تفرقوا} نهي عن المهلك من تفرق الأنحاء والمذاهب، والخير كله في الإلفة واجتماع الكلمة. ثم أخبر تعالى نبيه بصعوبة موقع هذه الدعوة إلى إقامة الدين على المشركين بالله العابدين الأصنام. قال قتادة: كبّرت عليهم: لا إله إلا الله، وأبى الله إلا نصرها، ثم سلاه عنهم بقوله: {الله يجتبي} أي يختار ويصطفي، قاله مجاهد وغيره. و{ينيب}: معناه يرجع عن الكفر ويحرص على الخير ويطلبه. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَمَا اختلفتم فِيهِ مِن شَيْء}.
حكاية قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤمنين؛ أي وما خالفكم فيه الكفار من أهل الكتاب والمشركين من أمر الدين، فقولوا لهم حُكمه إلى الله لا إليكم، وقد حكم أن الدين هو الإسلام لا غيره.
وأمور الشرائع إنما تُتَلَقَّى من بيان الله.
{ذَلِكُمُ الله رَبِّي} أي الموصوف بهذه الصفات هو ربي وحده؛ وفيه إضمار: أي قل لهم يا محمد ذلكم الله الذي يحيي الموتى ويحكم بين المختلفين هو ربّي.
{عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} اعتمدت.
{وَإليه أُنِيبُ} أرجع.